خديجة حبيبي وتعاونية “مقدة” بمرتيل: حين تصنع الإرادة ميناءً للأمل  

الحياة كالبحر، لا تُعلِن عن عواصفها مسبقًا، ولا تُعطي فرصة للاستعداد. أحيانًا، تفقد البوصلة، تتلاعب بك الأمواج، وتُظلم السماء فوقك، لكن هناك من يمسك بالأمل كمنارة، حتى وهو غارق في الظلام. خديجة ححيبي واحدة من هؤلاء الذين رفضوا الاستسلام، وحوّلوا المحن إلى جسور تعبر فوقها الحياة.

قبل أن تخوض غمار البحر، فقدت أغلى ما تملك. ابنتها، نور حياتها، رحلت، تاركةً وراءها فراغًا هائلًا وكلمات معلقة في الهواء. كان الحزن ثقيلًا، لكن وسط هذا الألم، لم تنطفئ شعلتها، بل بدأت تبحث عن معنى، عن سبب يجعلها تستمر، عن شيء يمنحها القوة لتقف من جديد.

تم جاءت الجائحة، كعاصفة أخرى تضرب دون سابق إنذار. فقدت مصدر رزقها، ووجدت نفسها في مواجهة واقع لم تختره، لكنه فُرض عليها. كانت وحيدة، تحمل مسؤولية أطفالها، والخيارات أمامها محدودة. لكن، بدل أن تنكسر، اختارت الطريق الأصعب، الطريق الذي لم تسلكه أي امرأة من قبلها في مجتمعها: أن تعمل في تنظيف قوارب الصيد.

 

كان البحر صامتًا وهو يشهد دموعها الأولى، وهو يسمع صوتها المرهق في الفجر، وهو يحتضن تعبها كل مساء. كانت الأيام قاسية، لكن داخلها كان هناك يقين واحد: هذه ليست النهاية، هذه مجرد بداية أخرى.

 

وفي كل مرة تمسك فيها بشباك الصيد القديمة، شعرت أن البحر يُرسل لها رسالة. هذه الشباك التي تُرمى في الماء، تُهمل، وتصبح بلا قيمة، يمكن أن تكون بداية جديدة. كما يمكن لامرأة ظن الجميع أنها ضعيفة أن تتحول إلى رمز للقوة، يمكن لتلك الخيوط أن تُحاك من جديد، وتصبح مصدرًا للرزق، للحياة، للأمل.

 

هكذا وُلدت تعاونية “مقدة”، ليس فقط كمشروع اقتصادي، بل كملاذ آمن، كمساحة لنساء أخريات يعشن نفس القصة، يبحثن عن فرصة، عن مكان يشعرن فيه أنهن مرئيات، أنهن قادرات.

 

ومن قلب هذا الحلم، انطلق مشروع “موفيليت”، حيث لم تعد الشباك القديمة مجرد مخلفات في قاع البحر، بل مصدرًا للعمل، وسبيلاً لحماية البيئة، وجسرًا لتمكين النساء. أصبح لكل خيط يُعاد تدويره معنى، لكل يد تعمل عليه قصة، لكل امرأة تضع بصمتها مستقبلٌ أكثر إشراقًا.

 

اليوم، خديجة ليست وحدها، هي محاطة بنساء يؤمنَّ أن البحر ليس حكرًا على أحد، وأن كل موجة تحمل في طياتها فرصة جديدة.

 

ورغم كل ما تحقق، يبقى الحلم أكبر. حلم ببحر أنظف، بفرص أكثر للنساء، بمستقبل لا تخاف فيه الأمهات على أطفالهن، ولا تُترك فيه أي امرأة لمواجهة الحياة بمفردها.

 

خديجة حبيبي لم تختر البحر، لكنه اختارها ليكون شاهدًا على قوتها، وعلى قدرة الإنسان على التحول، على إعادة بناء ذاته، تمامًا كما تُعاد حياكة الشباك القديمة لتُصبح أثمن من ذي قبل.

التعليقات مغلقة.