قالت المنظمة الديمقراطية للشغل إن مشروع القانون المالي لسنة 2021 لم يخرج بتاتا عن نفس المنهجية و المقاربة التقليدية المحاسبية، حيث يفتقر إلى القدرة على بناء فرضيات وتوقعات للميزانية، ولم تأخذ بعين الاعتبار المتغيرات والتطورات الداخلية والمحيط الخارجي والمناخ الاقتصادي العام، في غياب مصداقية المعطيات، واستمرار البيروقراطية التقليدية لوزارة الاقتصاد والمالية في بلورة وصياغة قوانين المالية بهاجس التوازنات المالية والإكراهات المصطنعة، فضلا عن ثقل المديونية الداخلية والخارجية التي وصلت إلى مستويات قياسية، في نفس الوقت الذي اتسعت فيه فجوة الفوارق الاجتماعية والطبقية والمجالية بشكل مخيف، مع غياب الشفافية حول نفقات القروض ووجهة انفاقها، والمخاطر المترتبة عن تراكم الديون وفوائدها وارتفاع مستوياتها على الخزينة والاقتصاد الكلي و على الأجيال المقبلة، و غياب القدرة على إنعاش الاقتصاد و إعادة البناء في أعقاب جائحة مدمرة، في غياب تصور واضح للحد من تداعياتها وآثارها الصحية والاقتصادية.
وأضافت المنظمة في بلاغ لها، إن الحكومة وهي تعرض آخر قانون مالي لها، تستهدف من جديد أجور الطبقة العاملة، وتسعى للإجهاز على الطبقة الوسطى في المجتمع، والإمعان في إفقار الفقراء وإغناء الأغنياء، في ظل نموذج اقتصادي أبان عن محدوديته، وحكومة فاشلة لا تبدع إلا في سياسة الترقيع والتبليط والزيادة في الجبايات و الضرائب والرسوم وتحرير الأسعار، حكومة عاجزة عن إبداع الحلول وخلق الثروة وبناء خطط وطنية حقيقية ومتكاملة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، فهي عوض أن تعمل على تحسين دخل الأجراء والرفع من القدرة الشرائية للمواطنين ذوي الدخل المحدود والطبقة المتوسطة، فهي تلجأ إلى الاقتطاعات من الأجور وحذف التعويضات تحت مبررات مختلفة؛ وبالتالي فان الشرائح والطبقات المجتمعية الفقيرة والمتوسطة تلقت ضربات موجعة بفعل سياسات اقتصادية ومالية لا تتقن إلا إعادة إنتاج نفسها بحثا عن موارد للخزينة العامة والتوازنات الماكرواقتصادية،عبر الضرائب والرسوم والمديونية وسياسة التقشف، دون أفق تنموي حقيقي يكون فيه الأمن الاقتصادي ضامنا للعدالة والسلم الاجتماعيين؛
وتابع البلاغ، إننا أمام مشروع قانون مالي يكرس التطبيع مع التقشف، والركود الاقتصادي والتجاري، ويستهدف القضاء على ما تبقى من الطبقة الوسطى في المجتمع، التي تشكل صمام الأمان بالنسبة لاستقرار البلاد، وللمسار الديمقراطي والنمو الاقتصادي، و التي أصبحت تعيش اليوم قلقا بالغا وتهديدا أكبر لمستواها المعيشي، الذي يعرف انخفاضا سنويا، بسبب ضعف الأجور التي تآكلت بشكل كبير مند سنة2012 بعد إلغاء نظام المقاصة، و لهيب ارتفاع أسعار السلع والخدمات، إلى درجة صار من الصعب معها التفريق بين الطبقة الوسطى والطبقة الفقيرة، بسبب تجميد الأجور والترقي المهني، وارتفاع الضرائب والرسوم، والاقتطاعات المتوالية من الأجور، كان أخيرها وليس آخرها اقتطاع ثلاثة أيام من صندوق التضامن لتدبير الجائحة، حيث تستعد الحكومة لفرض اقتطاع جديد تحت ذريعة “مساهمة اجتماعية للتضامن”، علما أن هذه الفئة التي سيتم الاقتطاع من أجورها، لم تعد قادرة على مواجهة تكاليف الحياة المرتفعة، بسبب الارتفاع الفلكي لأسعار المواد الغذائية والخدمات، وتحملها أعباء نفقات تمدرس أبنائها، التي تمتص شهريا ما يقارب 40 % من أجرتها (في حدود طفلين فقط )، إضافة إلى ثقل قروض السكن و قروض الاستهلاك، ونفقات الصحة والأدوية، ناهيك عن نفقات ومصاريف التكفل العائلي لمساعدة الآباء والأمهات والإخوة العاطلين عن العمل؛
وينضاف إلى كل هذه النفقات، ثقل الضريبة على الأجور الذي يبلغ أكبر المعدلات، التي تقتطع من المنبع، وتتراوح ما بين20% و 38 % ، وهي النسبة التي يتساوى فيها مسؤولو بعض شركات القطاع الخاص والأطر العليا بالإدارات العمومية، حيث لا فرق بين موظف يحصل على أجرة 15 ألف درهم، ومدير عام يتقاضى ما بين 300 ألف إلى 500 ألف درهم، هذا علما أن أعدادا كبيرة من هذه الشركات لا تصرح بحقيقة الأجور والمداخيل لبعض مسؤوليها، ولا بأرباحها السنوية، ليظل الموظف والأجير الصغير دوما هو الضحية، أما الطبقة المتوسطة في المجتمع فقد أصبحت تواجه في العشر سنوات الأخيرة خطر الانقراض والانزلاق نحو الفقر.
إن مشروع قانون المالية هذا جاء محبطا للتطلعات وللآمال في تقديم بدائل لتحقيق إقلاع اقتصادي حقيقي، وتوفير الحماية الاجتماعية للمواطنين، وامتصاص البطالة بخلق مناصب الشغل الكافية للشباب العاطل، حيث تصل أعداد الشباب خريجي الجامعات إلى أزيد من 250 ألف شاب سنويا، في حين لم تخصص الحكومة في مشروعها سوى 25 ألف منصب شغل.
لأجل كل ما ذكر، فإننا في المكتب التنفيذي للمنظمة الديمقراطية للشغل، نعتبر أن مشروع القانون المالي لسنة 2021 قد جاء خارج الزمن السياسي والاقتصادي الموسوم بتداعيات جائحة كورونا فيروس، ولا يترجم الإرادة و التوجيهات الملكية في إنعاش حقيقي للاقتصاد الوطني، التي تستلزم إجراءات تحفيزية تستهدف إنقاذ المقاولات الصغرى والمتوسطة والصغيرة جدا من الإفلاس، والحفاظ على استقرار الشغل، وخلق مناصب جديدة لامتصاص بطالة الشباب العاطل، وإعادة إدماج من فقدوا شغلهم نتيجة الأزمة الصحية، ولا يأخذ بعين الاعتبار الأضرار الاجتماعية والصحية والتعليمية والمعيشية التي خلفتها الجائحة، ولا يندرج في أفق نموذج تنموي جديد من المنتظر أن تظهر ملامحه وتوجهاته في نهاية السنة الحالية.
التعليقات مغلقة.