عقد “مركز النورديك لتحويل النزاعات” بشراكة مع “مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان”، يوم الأربعاء 27 أكتوبر 2021، ندوة دولية، عبر تقنية الاتصال المرئي، تحت عنوان: “حوار الأديان وتحويل النزاعات: نحو نموذج للتغيير”.
وقد عرفت الندوة مشاركة ثلة من الباحثين والخبراء والمتخصصين الدوليين في مجالات الحوار الديني وحل النزاعات، من دول مختلفة من بينها المغرب الذي سجل مساهمة متميزة خلال الندوة المذكورة.
وناقش المشاركون في الندوة، ثلاثة محاور رئيسة، اتطرق المحور الأول إلى “المشهد المتغير للنزاعات وحوار الأديان”، فيما تطرق المحور الثاني إلى “إنجازات وتحديات وفرص الحوار بين الأديان كوسيلة لتحقيق السلام المستدام”، بينما خصص المحور الثالث لطرح توصيات علمية ومنهجيات عملية لتعزيز دور الحوار بين الأديان في الوقاية من العنف.
وركزت مداخلات المتحدثين في المحاور الثلاثة على تأكيد ضرورة تفعيل حوار الأديان في مجال حل النزاعات، وتطوير آليات ووسائل للتفعيل، والتقييم المستمر لها من خلال طرق منهجية علمية مستدامة لتعزيز نقاط القوة وتلافي السلبيات على هذا الصعيد.
وفي كلمته خلال الجلسة الافتتاحية، أكد الدكتور إبراهيم بن صالح النعيمي رئيس مجلس إدارة مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان على دور الأديان في حلحلة الصراعات وتسوية النزعات لكنه نبه إلى أن التعصب الديني يؤدي أحيانا إلى التطرف وتأجيج الصراع بين الحضارات. وشدد في هذا السياق على الأهمية الملحة للحوار الديني لمواجهة الصراعات.. وقال ” لو نظرنا لعالمنا المعاصر الآن ومجتمعاتنا لوجدنا أن (الحوار) هو أكثر ما نحتاج إليه، في إدارة الصراعات ومواجهة أمواج الكراهية الشديدة التي تؤدي إليها”.
وأضاف “أن المراهنة على الدين في مواجهة الصراعات يعود إلى ما للدين نفسه من مكانة في صناعة السلام، ولما للمعتقدات الدينية من أثر عميق في بناء العلاقات الشخصية والمجتمعية وكذلك الدولية، ولما لعلماء الأديان وقادتها من تأثير قوي على من يتبعونهم ويثقون بهم، يمكن استثماره لإدارة النزاعات وحلها”.
ودعا الدكتور النعيمي إلى تغيير الصورة الذهنية الشائعة بشأن حوار الأديان والتي مفادها أنها مهمة يتولاها فقط رجال وعلماء الدين.. وقال “لقد آن الأوان لتأكيد دور الأديان في معالجة القضايا الإنسانية الكبرى، والعمل معا للتصدي للنزاعات التي تنشأ من الاختلافات الدينية، وتزداد الحاجة لمثل هذا التوجه في وقت الاضطرابات والنزاعات التي تحيق بنا جميعا وبعالمنا اليوم”.
وأشار إلى أن ندوة اليوم مع مركز نورديك لتحويل النزاعات هي ترجمة عملية لهذا التوجه.. مضيفا “نضع اليوم على طاولة الحوار قضية النزاعات وكيفية إيجاد نموذج للتغيير الواعي الذي قد يغيرها، ويضعها في إطارها لفهم أسبابها وكيفية التعاطي معها، وحتى وإن لم يقض عليها”.
وأكد أن “الاستراتيجية الحقيقية نحو هذا النموذج المنشود للتغير في قضية النزاعات، مثل النزاع الديني الطائفي، تبدأ بالإيمان الصحيح الذي يؤصل إلى أن كل أبناء آدم أخوة في الإنسانية، وهذا يقتضي منهم التعاون والتعايش والتقارب، وتبادل الأفكار والآراء والخبرات والثقافات للوصول إلى ما فيه الخير للناس كافة في كنف التسامح والسلام”.
ولفت إلى أن تفعيل دور الدين في مواجهة النزاعات يتطلب جهدا كبيرا لإيجاد آليات لتحقيقه في واقع البشرية نظرا للصعوبات التي تكتنف هذا التوجه ومنها التفسيرات الخاطئة للنصوص الدينية، وعدم استقلالية العديد من المؤسسات الدينية عن القرار السياسي، وبالتالي عدم قدرتهم على مواجهة الأفكار المتطرفة من جهة، ومن جهة أخرى عجزهم عن التصدي لمحاولات إفساد العملية الحوارية.
كما أشار في سياق الحديث عن الصعوبات إلى غياب المصارحة والاعتراف بالخطأ من القيادات الدينية.. مبينا في هذا السياق “أنه لا يمكن ترسيخ مفهوم السلام في الأديان ما لم تكن القيادات الدينية نفسها نموذجا وقدوة في ذلك لما لها من طابع النزاهة والمصداقية والتأثير في النفوس”.
بدوره، ثمن السيد عبود نوفل، المدير التنفيذي لمركز النورديك لتحويل النزاعات، التعاون مع مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان في عقد هذه الندوة الدولية، مشيدا في الوقت ذاته بدور مركز الدوحة في مجال الحوار بين الأديان.
وأكد السيد عبود على أن الأديان بريئة من تهمة إذكاء الصراعات.. وقال “إن الأديان والحضارات لا تتصارع، وإنما يتصارع الناس لأسباب شتى، ومن المهم تفعيل دور الأديان في مواجهة النزاعات”.
وشارك في المحور الأول من الندوة، الدكتور “بول هيك” الأستاذ بجامعة جورج تاون- بالولايات المتحدة، الذي طرح ورقة عمل تحت عنوان: “تغيير المشهد من خلال الرفقة العلمية”، مبينا في هذا الطرح دور التربية والتعليم في نشر ثقافة احترام الآخر المختلف دينا وثقافة.. بينما طرح الدكتور “عبد الهادي العجلة “، الباحث بمعهد الدراسات الشرقية الألماني ببيروت ورقة عمل حول دور الأديان في الاندماج ومخاطر استخدامه في الصراعات.
وتحدث الدكتور “ميشيل ديرسن” المتخصص في الشؤون السياسية والدولية بجامعة جون كابوت بإيطاليا عن التلاقي بين الأديان والمواطنة، لتختتم الجلسة الأولى بورقة عمل للدكتور “محمد أبو نمر ” المتخصص في السلام وحل النزاعات في الجامعة الأمريكية بواشنطن، تضمنت تصورا حول تطوير أطر عمل التقييم في مجال بناء السلام والحوار بين أتباع الأديان.
وفي المحور الثاني، قدم الدكتور “إيفرين توك” الأستاذ المشارك بكلية الدراسات الإسلامية بجامعة حمد بن خليفة ورقة عن الحوار الديني والتنمية المستدامة، بينما كانت الورقة الثانية للدكتور “جيمس جوميز” المدير الإقليمي لمركز آسيا بتايلاند حول قوانين التعايش السلمي في جنوب شرق آسيا، لتأتي الورقة الثالثة للدكتور “محمد شفيق” المدير التنفيذي لمركز هيكي للدراسات والحوار بين الأديان من كلية الناصرة بالولايات المتحدة، لتليها الورقة الرابعة للدكتور “باخودر باسيلوف” بجامعة ولاية طشقند بأوزبكستان عن العلاقات البناءة بين الأديان في الحياة اليومية.
وشاركت في المحور الثالث الدكتورة “كارول فوشر”، خبيرة في التربية الرياضية، بجامعة إدنبرة، بورقة عمل تحت عنوان: “تجاوز التسامح في عالم متعدد الأديان: الإنتاج المشترك للمعرفة التربوية نحو سلام مستدام”، إلى جانب الدكتور “يوسف الصديقي” عضو مجلس إدارة مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان الذي طرح توصيات عملية ومنهجية لتعزيز الحوار بين أتباع الأديان للوقاية من العنف.
كما شارك في هذا المحور، الدكتور “متري بشارة” الراهب مؤسس ورئيس جامعة دار الكلمة بفلسطين بورقة حول تطوير مساق جديد لحوار الأديان في جامعات الشرق الأوسط، وكذلك الدكتور “كمال الهشومي” الباحث في العلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني بالمملكة المغربية الذي قدم ورقة خاصة تحت عنوان: “نحو مخرجات مشتركة لبناء السلام بين الأديان”..
واختتمت في ذات اليوم الندوة الدولية، التي نقلت أشغالها مباشرة على قناة الجزيرة، بالتأكيد على الأهمية الملحة للحوار وخصوصا الحوار الديني وذلك لـمـا للدين من مكانة في صناعة السلام، ولـمـا للمعتقدات الدينية من أثر عميق في بناء العلاقات الشخصية والمجتمعية وكذلك الدولية، ولـمـا لعلماء الأديان وقادتها من تأثير قوي على من يتبعونهم ويثقون بهم، كل ذلك يجب أن يستثمر لإدارة النزاعات وحلها.
التعليقات مغلقة.