كان الصحفي المصري الكبير “مجدي الجلاد” قد كتب يوما على ظهر جريدة “الوطن” مقالا بعنوان “أنا صرصار”، انفجر الرجل في نصه الحارق في وجه السلطة السياسية و العسكر و الإخوان و كل من اصبحوا يضعون النفس البشرية في مصاف الاشياء المتلاشية التي لا قيمة لها، المنهج الذي كتب به هذا المقال، اجد نفسي في كل يوم و كل ساعة، في امس الحاجة الى الكتابة به من اجل التفريغ عما يضيق صدري في هذا الوطن .
قبل ليلتين، و بالظبط في المستشفى الاقليمي بمدينة سيدي قاسم، وقعت مجزرة في حق ام حامل و رضيعتها، ولا يمكنني ان احدد القائم بهذه المجزرة، فكلنا مسؤولون عن هذا، من مندوب الصحة بالاقليم الى اصغر ممرضة موجودة في تلك ” الگرنة” التي اصبح المرء يأتيها على قدميه و يخرج نعشا يبكى عليه .
كلنا مسؤلون عن هاته الكارثة، نساء و رجالا، سلطة و مواطنين، نسينا ان الانسان اهم من كل هذا، و تبعنا المظاهر و الشكليات و الحيثياث حتى ضاع الانسان وسط كل هذا، احيانا تترامى في ذهني عدة تساؤلات، حول ما اذا كنا نعتبر بعضنا البعض ادميين، و حول ما اذا كانت الدولة تعتبرنا ذواتا انسانية تستحق العيش و الحياة .
مع ما يتاهطل فوقنا من اخبار لوقائع استبيح فيها دم الانسان، و اصبحت النفس البشرية تقارن بفكرة او بشعور لانسان متسلط يضع نزوته او فكرته امام حياة الادميين، تركت لنا السيدة التي اوصلها اهمال اطباء المستشفى الاقليمي رضيعة صغيرة، ملاك صغير فقد بصيرته و هو خارج من بطن امه بسبب الاهمال و التقصير .
هي ليست اول حالة، ولا اخر حالة، ولا هي حالة معزولة، بل اصبح الأمر سائدا، و تحول المستشفى الاقليمي لسيدي قاسم الى صراط غير مستقيم ترفع منه الارواح الى بارئها دون حق، الاهمال و التقصير، احتقار المرضى و وضع خدماتهم في مقابل دريهمات “ملغومة” يضعها المريض في جيب “جلاده” او عفوا ممرضه .
حياتنا ربما لم تعد لها قيمة، و كل ما اصبح يهم كلنا هو ان نأكل لحم “كلنا”، باتت حياتنا برخص دفع ” عشرون درهما” ل”قابلة” في مستشفى كي لا تبعثك الى مدينة اخرى من اجل الولادة، و باتت بنفس رخص ان لا يتحمل احد مسؤولية حياتنا و يتركنا للشائعات و الاخبار المتداولة تفعل فينا ما شاءت .. للأسف اضحت حياتنا رخيصة جدا يا أمي .
التعليقات مغلقة.