جوابًا على الراضي الأب.. الوطن لا يشيده المغتصب ومتعدد الولاءات الوطنية
ليس عيباً أن ينثر ادريس الراضي الرسائل الرنّانة فوق سَجَى زنزانة ابنه عمر، حتى وإن كانت الجرائم التي اقترفتها جريرة هذا الأخير خادشة للحياء العام، وماسة بالأخلاق الحميدة، ومنتهكة للوطنية التي هي قوام العقد الاجتماعي الذي يربط المواطن بوطنه الأم.
وليس عيباً كذلك أن يتقمص ادريس الراضي شخصية “نيكولاي” في خالدة إيفان تورغينيف “الآباء والبنون”، وأن يتجسّم في ابنه شخصية”أركادي كيرسانوف”، وإن كانا يتشابهان فقط في “العدمية” كأسلوب، ويختلفان كثيراً في السجل العدلي الملطّخ بالاغتصاب والتخابر بالنسبة للأول، والناصع البياض بالنسبة للشخصية الأدبية الثانية.
فآصرة الأبوة قد تشفع لادريس الراضي، ويمكنها أن ترفع عنه حرج جرائم ابنه. فالمثل العربي القديم يقول في استعارته “كل قرد في عين أمه غزال”، ومجازاً قد يرى الأب في “السعدان النسناس” بطلا كان يمتحن فحولته فوق نتوءات جسم ضحيته حفصة، وقد يتمثل كذلك في تخابره مع الأجنبي كما لو كان عملية فدائية لصالح الوطن، لا يعلم خباياها وحقيقتها إلا المعطي منجب ومحمد زيان والراسخون في تعدد الولاءات الوطنية.
لكن ما يثير التقزز والامتعاض، في مثل هذه الرسائل المفعمة بالاستيهامات والانطباعات الكاذبة، هي محاولات الراضي الأب تقديم ابنه المدان ابتدائيا واستئنافيا بالاغتصاب والتخابر مع الأجنبي ك”موديل” أو “كقُدوة” للشباب واليافعين والأحداث القاصرين، وهي محاولات بئيسة تتجاوز حدود التضامن والتعاطف المسموح به، لتدخل في خانة إعطاء “القدوة السيئة”.
وإذا كان ادريس الراضي يتطبع مع جرائم الاغتصاب والتجسس والتخابر مع الأجنبي، ويعتبرهما زيفاً بأنهما “زاد المناضل”، فإن عموم المغاربة لم ولن يشاطرونه هذا “الموديل الإجرامي”، حتى ولو وصل في عدّاد رسائله إلى عشرة آلاف تدوينــة!
فمن يسكر حتى الثمالة وينتشي بألياف القنب، ثم يتسلل هائجا مارقا في الهزيع الأخير من الليل إلى مضجع زميلته في العمل، لا يمكن أن يشارك في بناء وطن، وإنما يساهم في تقويض أركانه الأخلاقية. ومن يبحث عن مآلات وموارد خارج المغرب “لمقالاته” التي لا تجد طريقها للنشر، لا يمكن أن يكون نموذجا يقتدى به بقدر ما هو مثال للتنمر على الخيانة والاصطفاف ضد مصالح الوطن.
وفي المقابل، فمن يُمعن النظر في رسائل الراضي الأب يدرك جيدا بأن الرجل ربما “يتبضّع” محكومية ابنه ليبيعها سلعة مُزجاة في سوق النضال الفايسبوكي! وبتعبير آخر، فالرجل ربما يعاود بعث “شخصيته النضالية من رميم النسيان”، مُتأسيًا في ذلك بمقولة الأديب العالمي غابريال غارسيا ماركيز “الموت لا يأتي مع الشيخوخة بل بفعل النسيان !”. ومن الراجح أن ادريس الراضي إنما ينثر عن نفسه نقع النسيان أكثر ما يسدل على قضية ابنه وصف “الراهنية”.
وفي المحصلة، ليس كل من ناصر حفصة بوطاهر، ضحية عمر الراضي، فهو قلم مأجور أو لسان يصدح بما يُملى عليه! وليس كل من جاهر بجرائم عمر الراضي على رؤوس الأشهاد فهو ينضح في الجهر بما قيل له في السر! فهذه مجرد أعراض مرضية تتوفر فقط عند أصحاب الوطنية الضعيفة ومن يبيعون أنفسهم للأجنبي بدراهم معدودات.
فأمثال هؤلاء يعتقدون واهمين بأن جميع المغاربة، مثلهم، تعوزهم النخوة والوطنية الصادقة، وأنهم يقبلون على أنفسهم تأجير ولائهم وأقلامهم للأجانب مثلما يفعل أبناؤهم، ومثلما يباركه آباؤهم ويُزكيه في شبكات التواصل الاجتماعي.
التعليقات مغلقة.