في نفس اليوم (الأربعاء) الذي أُعلن فيه عن وفاة الشاب زكرياء شويخان، الذي أضرم النار عمدا في جسده على المباشر بمدينة الدار البيضاء، كانت مدينة مونبلييه الفرنسية مسرحا لحادث مأساوي مماثل، تمثل في إضرام سيدة في الأربعينيات من عمرها، تدعى نادية مصطفي وتعمل نقيبا في الدرك، للنار في جسدها داخل سيارتها الشخصية.
وتشاء الأقدار أن يرحل في نفس اليوم زكرياء (في النسخة المغربية) ونادية (في الصيغة الفرنسية) إلى دار البقاء، وأن تكون وسيلة الموت واحدة هي إضرام النار عمدا في الجسد، وأن يكون السبب متشابها إلى حد ما. فالأول كان له خلاف مع مستخدمين في السوق تطور إلى عنف، والثانية نزع منها القانون حضانة ابنها الصغير، فقررا معا إنهاء حياتهما بنفس الطريقة التراجيدية والمأساوية.
لكن ما يفرق بين الحادثين، رغم علامات التقاطع الكثيرة، ومؤشرات التقارب المتعددة بينهما، هو أن لا أحد في فرنسا هاجم القضاء الذي قرر تجريد نقيبة الدرك المنتحرة من حضانة ابنها. ولم يتجاسر أي مدون على قانون الأسرة الفرنسي، كما لم يتطاول أي فايسبوكي “خواجة” على الزوج أو الأب أو الأسرة التي تقدمت بطلب إسقاط هذه الحضانة.
أيضا، لم نسمع أي ناشط حقوقي فرنسي يعلق على الحادث من منظور “طبقي”، متهما “أوليغارشية الشرطة أو الدرك أو القضاء” بالتسبب في إحباط النقيب نادية لدرجة اليأس ودفعها للموت انتحارا. كما لم يشجع أي مواطن فرنسي على ظاهرة الانتحار حرقا بالنار. فكل ما سمعناه هو عبارات النعي والتضامن من قبيل “ليس أنت نادية”، و”نحن تحت وقع الصدمة”، و”ستفتقدك مونبلييه وستفتقدك الجمهورية” و”قلوبنا مع عائلتها”…وغير ذلك من عبارات التعاضد والتعاطف المطبوع باعتصار الألم.
لكن في حادث المرحوم زكرياء! كان سيناريو التضامن والتعاطف مغايرا: ففجأة أصبح خصوم الهالك في الشكاية من أصحاب النفوذ ومن الملاكين الكبار الذين يتمتعون بحماية الشرطة! مع أن أصل الخلاف كان في حقيقته هو عربة مجرورة ب”لورمات” معدنية لا تتجاوز 300 درهم على أكثر تقدير! فكيف لأصحاب “اللورمات” أن يستفيدوا من تواطؤ الدولة وهي التي تحاكمهم حاليا من أجل استهلاك “جوان” حشيش وضرب وجرح عمديين لا يتجاوز العجز فيه 21 يوما؟
أكثر من ذلك، حاول مدونون في مواقع التواصل الاجتماعي تحريف سبب انتحار زكرياء من خلاف مع الأشخاص إلى خلاف مع الدولة، ومن خلاف مع القانون إلى مواجهة مع القانون، وكأنهم يبحثون عن “بوعزيزي جديد” يطلق موته احتراقا شرارة الفوضى التي ينشدها البعض ويرنو جاهدا للركوب عليها.
وبخلاف قضية “نادية الفرنسية”، فقد غابت في وفاة زكرياء المغربي عبارات التضامن مع أسرته وعائلته، وحضرت فقط عبارات الشجب والاستهجان وافتراض الإدانة في الشرطة التي قامت بتقييد حرية باقي أطراف الدعوى وأحالتهم على القضاء طبقا للقانون. والمؤسف كذلك في هذه القضية هو حضور عبارات التحريض الصريح على “الانتحار” والتطبيع مع الموت احتراقا!
فكل من كتبوا حول هذا الحادث المؤسف، بخلفية سياسية ورواسب مسبقة، تعاطوا مع الانتحار وكأنه “انتفاضة”، ومع “الموت احتراقا بالنار” وكأنه “نضال بالجسد”، ولم يكلف أي واحد منهم نفسه عناء التنديد وازدراء قتل النفس بشكل عمدي، الذي هو إسراف في الجبن وموت محرم أيا كانت الأسباب والدوافع والخلفيات.
التعليقات مغلقة.